كان الإسراء قبل الهجرة ب سنة، وبه جزم ابن حزم في ليلة سبع وعشرين من شهر رجب وهو المشهور وعليه عمل الناس وكان ليلة الإثنين، وكان بعد خروجه صلى الله عليه وسلم إلى الطائف.
كان الإسراء إلى بيت المقدس والمعراج إلى السموات، وفرضت عليه في تلك الليلة الصلوات الخمس وقد ذكر الإسراء في القرآن.
قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الاْقْصَى الَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ ءايَتِنَآ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الإسراء: 1).
واختلف في كيفية الإسراء فالأكثرون من طوائف المسلمين اتفقوا على أنه أُسري بجسد رسول الله صلى الله عليه وسلم والأقلون قالوا: إنه ما أُسري إلا بروحه، حُكي عن محمد بن جرير الطبري في «تفسيره» عن حذيفة أنه قال: ذلك رؤيا وأنه ما فقد جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما أسري بروحه، حُكي هذا القول أيضا عن عائشة رضي الله عنها وعن معاوية رضي الله عنه وحديث عائشة ليس بالثابت لأنها لم تكن حينئذ زوجته، قال النسفي: وكان الإسراء في اليقظة، وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: والله ما فقد جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن عرج بروحه، وعن معاوية مثله. وعلى الأول الجمهور إذ لا فضيلة للحالم ولا مزية للنائم.
واتفق الأكثرون من طوائف المسلمين على أنه أسري بجسد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصحيح، جاء في «زاد المعاد» لابن قيم الجوزية:
«وقد نقل ابن إسحاق عن عائشة ومعاوية أنهما قالا: إنما كان الإسراء بروحه ولم يفقد جسده، ونقل عن الحسن البصري نحو ذلك، ولكن ينبغي أن يعلم الفرق بين أن يقال: كان الإسراء مناما وبين أن يقال: كان بروحه دون جسده وبينهما فرق عظيم، وعائشة ومعاوية لم يقولا كان مناما وإنما قالا أسرِي بروحه ولم يفقد جسده وفرق بين الأمرين، فإن ما يراه النائم قد يكون أمثالا مضروبة للمعلوم في الصور المحسوسة فيرى كأنه قد عرج به إلى السماء أو ذهب به إلى مكة وأقطار الأرض وروحه لم تصعد ولم تذهب وإنما ملك الرؤيا ضرب له المثال، والذين قالوا عرج برسول الله صلى الله عليه وسلم طائفتان: طائفة قالت: عرج بروحه وبدنه، وطائفة قالت: عرج بروحه ولم يفقد بدنه، وهؤلاء لم يريدوا أن المعراج كان مناما وإنما أرادوا أن الروح ذاتها أُسري بها وعرج بها حقيقة وباشرت من جنس ما تباشر به بعد المفارقة، وكان حالها في ذلك كحالها بعد المفارقة في صعودها إلى السموات سماء سماء حتى ينتهي بها إلى السماء السابعة فتقف بين يدي الله سبحانه وتعالى فيأمرها بما يشاء ثم تنزل إلى الأرض، فالذي كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء أكمل مما يحصل للروح عند المفارقة، ومعلوم أن هذا الأمر فوق ما يراه النائم» الخ.
فالإسراء ما كان مناما قطعا لأنه لو كان مناما لما كذبه المشركون فإن من الناس من يرى أنه صعد إلى السماء أو قطع مسافات شاسعة لا يتصورها العقل، وليس المنام معجزة خارقة للعادة، والروح في المنام لا تفارق الجسم، كذلك لو كان الإسراء مناما لصرح به رسول الله صلى الله عليه وسلم
والطبري في «تفسيره» ينكر أن الإسراء كان بالروح فقط وقد رد على من قال بذلك فقال:
«والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن الله أسرى بعبده محمد صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى كما أخبر الله عباده كما تظاهرت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله حمله على البراق حتى أتاه به وصلى هنالك بمن صلى من الأنبياء والرسل فأراه من الآيات، ولا معنى لقول من قال أُسْريَ بروحه دون جسده لأن ذلك لو كان كذلك لم يكن في ذلك ما يوجب أن يكون دليلا على نبوته ولا حجة له على رسالته ولا كان الذين أنكروا حقيقة ذلك من أهل الشرك يدفعون به عن صدقه فيه إذ لم يكن منكرا عندهم ولا عند أحد من ذوي الفطرة الصحيحة من بني آدم أن يرى الرائي منهم في المنام ما على مسيرة سنة فكيف ما هو على مسيرة شهر أو أقل، إلى أن قال: ولو كان الإسراء بروحه لم تكن الروح محمولة على البراق إذ كانت الدواب لا تحمل إلا الأجسام إلا أن يقول قائل: إن معنى قولنا أُسرِيَ بروحه رأى في المنام أنه أُسري بجسده على البراق فيكذب حينئذ بمعنى الأخبار التي رُويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم على قوله حمل على البراق لا جسمه ولا شيء منه وصار الأمر عنده كبعض أحلام النائمين وذلك دفع لظاهر التنزيل وما تتابعت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءت به الآثار من الصحابة والتابعين».
ومما قاله الفخر الرازي في «تفسيره»: قال أهل التحقيق: إن الذي يدل على أنه تعالى أسرى بروح محمد وجسده من مكة إلى المسجد الأقصى القرآن والخبر، أما القرآن فهذه الآية، وتقرير الدليل أن العبد اسم لمجموع الجسد والروح فوجب أن يكون الإسراء حاصلا لمجموع الجسد والروح إلخ، وأما الخبر فهو الحديث المروي في الصحاح وهو مشهور وهو يدل على الذهاب من مكة إلى بيت المقدس ثم منه إلى السموات، اهـ.
والمعراج به صلى الله عليه وسلم إلى السموات ليطلع على عجائب الملكوت كما قال تعالى: {لِنُرِيَهُ مِنْ ءايَتِنَآ} (الإسراء: 1)، وإلا فالله تعالى لا يحويه زمان ولا مكان ورأى ربه تلك الليلة وأوحى إلى عبده ما أوحى وفرض عليه خمس صلوات وجمع له الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فصلى بهم في بيت المقدس ثم استقبلوه في السموات ورجع صلى الله عليه وسلم من ليلته إلى مكة.
وقد أنكر المسيحيون إسراء رسول الله ومعراجه وليس ذلك بمستغرب منهم، إنما الغريب أنهم يؤمنون بقيام المسيح وصعوده إلى السماء، ففي آخر إنجيل مرقص:
(ثم إن الرب بعدما كلمهم، ارتفع إلى السماء وجلس عن يمين الله).
وجاء في آخر إنجيل لوقا:
(وفيما هو «المسيح» يباركهم، انفرد عنهم وأصعد إلى السماء).